النهضة التونسية تطرح مبادرة مسمومة لإنقاذ أزمات حكمها
مبادرة مسمومة يطرحها إخوان تونس لإجهاض مساعي الإنقاذ من أزمات حكمهم، في رماد يحاول إخماد لهيب إخفاقات متراكمة منذ عقد من الزمن.
ومؤخرا، دعا مجلس شورى حركة النهضة الإخوانية، في بيان، إلى تشكيل حكومة سياسية مع الإبقاء على رئيس الوزراء الحالي هشام المشيشي، في مناورة تستهدف أكثر من طرف ولا تستثني حتى المشيشي نفسه.
تشكيلة سياسية تقطع مع حكومة “التكنوقراط” أو الكفاءات الحالية، ترنو من ورائها الحركة الإخوانية إلى اجترار سيناريوهات الفشل نفسه، حين شكلت حكومات سياسية من أعضائها دون اختصاص أو تأهيل.
وبدون سابق إنذار، يبدو أن “النهضة” غيرت من موقفها الداعم لحكومة المشيشي، تمهيدا لزرع ألغام جديدة في المشهد السياسي الذي لم يعرف الاستقرار منذ وصول الحركة الإخوانية إلى الحكم أواخر 2011.
وفي بيانهم الصادر، أمس الثلاثاء، يتعلل الإخوان بوجود ضعف في مجابهة وباء كورونا يستدعي تعديلا جذريا في تركيبة الحكومة بأعضاء ينتمون إلى أحزاب سياسية.
ويرى متابعون أن هذا العرض السياسي الجديد لحركة النهضة ليس سوى مناورة إخوانية للتخلص من حصيلة فشل حكومة المشيشي في إدارة الأزمة بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الصحية .
حصيلة سبق أن وصفها الرئيس التونسي قيس سعيد بـ”الثقيلة”، معترفا بأن الدولة فشلت في إنقاذ مواطنيها من جائحة حصدت آلاف الأرواح منذ مارس/آذار 2020.
بعيدة عن الواقع
أستاذ علم الاجتماع في تونس، جهاد العيدودي، يرى أن الدعوة إلى حكومة سياسية لن يجد ترجمة في الواقع، في ظل رفض أبرز الكتل البرلمانية الدخول في تحالف حكومي مع حركة النهضة.
وفي وقت سابق، أعربت قيادات أحزاب “التيار الديمقراطي” (22 مقعدا بالبرلمان/ 217)، وحركة الشعب القومية (18مقعدا)، وكتلة تحيا تونس (10)، وكتلة الإصلاح (16)، في تصريحات إعلامية، رفضهم المشاركة في حكومة جديدة تكون النهضة من بين أعضائها.
وتابع العيدودي، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “القصد من الطرح الإخواني الجديد هو إخفاء مسؤوليتها تجاه الارتباك الحاصل في تركيبة هشام المشيشي التي عجزت عن تعيين وزيرًا للداخلية منذ خمسة أشهر”.
وكان الرئيس التونسي قد رفض تعديلا وزاريا لحكومة المشيشي مما خلق فراغا في عديد الوزارات الحساسة مثل الداخلية والصحة والعدل .
التخلص من المشيشي؟
رغم إعلان قياداتها تمسكهم بالمشيشي رئيسا لحكومتهم، إلا أن مصادر خاصة أفادت لـ”العين الإخبارية” بأن قرار سحب الثقة منه من طرف كتلة الحركة بالبرلمان يطبخ على نار هادئة.
وأوضحت ذات المصادر أن المشيشي أصبح ورقة محروقة في كواليس حركة النهضة وأنها مستعدة للتخلي عنه مقابل تعيين وزيرها السابق عبد اللطيف المكي على رأس الحكومة.
الكاتب السياسي التونسي محمد بوعود، يعتبر، من جانبه، أن حركة النهضة تريد رئيسًا للحكومة من مكوناتها العقائدية، وقياديا ينتمي تنظيميًا لها ومقرب من راشد الغنوشي، من أجل السيطرة على الملفات القضائية التي أثبتت تورط الإخوان في الاغتيالات السياسية.
ومؤخرا، كشفت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي وثائق تثبت وقوف الغنوشي وراء اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي في يوليو/تموز 2013.
وجاء في تقرير مجلس القضاء العدلي أن النهضة تسترت على نحو 600 إرهابي ينشطون في الجبال التونسية منذ 10 سنوات .
وأكد بوعود، لـ”العين الإخبارية” أن حكومة سياسية برئاسة قيادي من النهضة يوفر للحركة الإخوانية تحكمًا أكبر في دواليب الدولة، وقدرة على فرض تعيينات في الإدارة التونسية تخدم أجنداتها وحملاتها الانتخابية في ظل ارتفاع الأصوات المنادية بإعادة الانتخابات.
الحليف يرفض
مصادر قيادية داخل حزب “قلب تونس”، حليف الإخوان، أكدت أن التشكيل السياسي متمسك بحكومة “تكنوقراط” يترأسها هشام المشيشي ويرفض مقترح الذهاب إلى حكومة سياسية .
واعتبرت المصادر، لـ”العين الإخبارية”، أن التحديات التي تعيشها البلاد في الوقت الراهن لا تسمح بتغيير الحكومة وإنما فقط بتعديل بعض المواقع الوزارية على غرار وزارة الصحة عقب الارتفاع الكبير لعدد الوفيات بفيروس كورونا (تجاوز 15 ألف وفاة من مجموع 12 مليون نسمة)
ويرى متابعون أن نظرية “الحكومة السياسية” التي أصبحت تدافع عنها حركة النهضة لا يمكن أن ترى النور في الوقت القريب، في ظل التنافر الشديد الذي تعرفه مختلف مكونات المشهد البرلماني، وفي ظل تشبث قيس سعيد بالذهاب إلى تعديل الدستور برمته من نظام برلماني إلى رئاسي.
طرح يؤيد قراءات مختلفة تتقاطع جميعها عند التأكيد أن مبادرة الإخوان ليست سوى مناورة لإعادة ترتيب أوراقهم السياسية بعد فترة العزلة التي تعيشها وسقوطها المدوي في نتائج استطلاعات الرأي.