أزمة الخبز في تونس.. مؤامرة سياسية أم تدبير كارثي؟
تعيش البلاد على وقع أزمة كبيرة في توفير الخبز، ما جعل الطوابير تصطف أمام عدد من المخابز وخلق مشاكل كبيرة للأسر في توفير مادة غذائية لا تخلو منها عادة الموائد التونسية.
وكشفت تقارير صحفية محلية وجود معاناة كبيرة في تحصيل الخبز في عدد من الولايات. فيما تعلن العديد من المخابز عن إفلاسها، وبات تحصيل خبز كافٍ لليوم أمرا في غاية الصعوبة.
وتثار الكثير من الأسئلة حول أسباب أزمة الخبز في تونس، بين ما تصفه الرئاسة التونسية بتدخل أطراف سياسية في خلق المشكلة. وبين من يرجعها إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بطرف سياسي، خصوصاً المشاكل الكبيرة في قطاع المخابز، والتقلبات المناخية.
الرئيس يتهم لوبيات وأحزاب
الرئيس التونسي قيس سعيّد اتهم “لوبيات وأطرافاً” دون أن يسميها بافتعال أزمة الخبز. وذكر خلال زيارته لمقرّ وزارة الزراعة التونسية أن على الدولة أن “تتصدى للمحتكرين والعابثين بقوت التونسيين”، قائلا إنّ “الهدف من هذه الأزمات المتعاقبة هو تأجيج المجتمع لغايات سياسية واضحة”.
واتهم سعيّد ما وصفها بـ “جهات أخرى وأحزاباً لا تظهر في الصورة، تقف وراء كل هذا، يقوم مسؤولون في الإدارات التونسية بخدمتهم”، زاعماً أنه يعرفهم بالأسماء وأنه لن يسكت على تجويع الشعب التونسي”، كما أرجع المسؤولية كذلك إلى خلل في مسارات التوزيع، وأن النسبة الأكبر من السلع المهمة “تدار خارج المسالك الرسمية”.
وكانت صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك قد نشرت خلاصات لقاء بين قيس سعيّد ووزيرة التجارة كلثوم بن رجب قزاح. وذكرت الصفحة أن مسألة ندرة الخبز في بعض الولايات تعود إلى “سعي البعض إلى تأجيج الأوضاع الاجتماعية والعمل على افتعال الأزمات. حيث أنه من من غير المقبول ألا يتوفر الخبز في ولاية في حين يتوفر في ولايات أخرى مجاورة”.
وفيما تعاني تونس من انتعاش السوق السوداء في مجال توزيع الحبوب، فإنه ليس السبب الوحيد والأساسي للأزمة. ودأب الرئيس التونسي على توجيه الاتهامات لـ”جهات” يقول إنها تحاربه، في وقت توجه فيه منظمات حقوقية انتقادات كبيرة للسلطات التونسية منذ استفراد سعيّد بالسلطة واعتقال مجموعة من المعارضين آخرهم راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة.
جمعية “أليرت” التي تعنى بمواجهة اقتصاد الريع، ذكرت في بلاغ أن الأسباب التي تتحدث عنها الرئاسة التونسية غير صحيحة، وأن الأزمة “هيكلية شاملة يشكو منها قطاع الحبوب في تونس”، وأن نقص الخبز يمس كافة الولايات بنسب متفاوتة.
وذكرت الجمعية أن السبب الحقيقي هو “انخفاض حاد في كميات القمح الصلب الموزعة من طرف ديوان الحبوب”، .هو جهة رسمية مكلفة بتزويد البلاد بالحبوب سواء الاستيراد أو تنظيم توزيع المنتجة محلياً.
وفيما تتوفر مادة القمح اللين، فإن مادة القمح الصلب لا تتوافر بالقدر اللازم حسب الجمعية. وهما المادتان اللازمتان لعجن عدة أنواع من الخبز. وذكرت الجمعية أنه إلى حدود 20 مايو ، وزع ديوان الحبوب 15 في المئة فقط من الاستهلاك الشهري من القمح الصلب.
كما ذكرت الجمعية أن ديون ديوان الحبوب ارتفعت بنسبة 27 في المئة خلال عام واحد. كما تأخرت الدولة في صرف ميزانية الدعم الموجهة إلى القطاع. ما جعل ديوان الحبوب “عاجزاً عن استيراد حاجيات السوق من القمح الصلب”.
غير أن الأزمة تمس كذلك القمح اللين (الفرينة) حسب ما يذكره فاعلون آخرون كالمجمع المهني للمخابز العصرية. الذي ذكر أن هناك نقصا فادحا في وصول مادتي الفرينة والسميد منذ أكثر من ثلاثة أشهر في كل الجهات، ما أدى إلى غلق عدد من المخابز.
وقال الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي لقناة الحوار: “إنتاجنا المحلي من القمح ضعيف جدا، نحن مضطرون لشرائه من الخارج، لكن نظرا لأننا في دولة مفلسة فليست لدينا الإمكانيات لشرائه”. مضيفاً: “قيس سعيّد عاجز عن قول الحقيقة. والناس لا تفهم أن وجوده في السلطة يفاقم الأزمات لكون الاقتصاد مرتبط بالاستقرار السياسي”.
عدة مخابز تعيش الإفلاس
تعاني عدد من المخابز في تونس من عدم صرف إعانات الدعم لمدة تجاوزت 14 شهرا. حسب ما يؤكده بيان لأصحاب المخابز في مدينة صفاقس. ما جعل عددا منها تعلن الإفلاس والتوقف التام عن العمل ابتداءً من الشهر القادم مع ما يتبع ذلك من تسريح ما يقارب من خمسة آلاف عامل.
ولا حل يلوح في الأفق حسب البيان سوى صرف عام من الدعم المالي. ورفع قيمة أكياس القمح وإيقاف ما تعتبره مراقبة غير عادلة من السلطات وصلت حد فرض قرارات بالإغلاق.
كما أعلنت اتحادات أخرى للمخابز عن إضرابات خلال الأسابيع المقبلة والتوقف عن تزويد المؤسسات العمومية بالخبز ما قد يخلق أزمة كبيرة في المدارس والسجون والمستشفيات ودور الإيواء.
وشهد إنتاج الحبوب في تونس تراجعا هذا العام بسبب عوامل الجفاف. وقدرت هيئات مهنية أن الإنتاج الوطني لن يلبي هذا العام سوى 5.8 من الحاجيات الوطنية، ما يجعل البلاد مضطرة لاستيراد جل ما تحتاجه من القمح.